فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم إنه تعالى بيّن أن الكفار إذا خاطبوا بهذا الخطاب {قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين} إلى آخر الآية، والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسدًا باطلًا تمنوا الرجوع إلى الدنيا لكي يشتغلوا عند الرجوع إليها بالأعمال الصالحة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
احتج أكثر العلماء بهذه الآية في إثبات عذاب القبر، وتقرير الدليل أنهم أثبتوا لأنفسهم موتتين حيث قالوا {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين} فأحد الموتتين مشاهد في الدنيا فلابد من إثبات حياة أخرى في القبر حتى يصير الموت الذي يحصل عقيبها موتًا ثانيًا، وذلك يدل على حصول حياة في القبر، فإن قيل قال كثير من المفسرين الموتة الأولى إشارة إلى الحالة الحاصلة عند كون الإنسان نطفة وعلقة والموتة الثانية إشارة إلى ما حصل في الدنيا، فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك، والذي يدل على أن الأمر ما ذكرناه قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [البقرة: 28] والمراد من قوله: {وَكُنتُمْ أمواتا} الحالة الحاصلة عند كونه نطفة وعلقة وتحقيق الكلام أن الإماتة تستعمل بمعنيين أحدهما: إيجاد الشيء ميتًا والثاني: تصيير الشيء ميتًا بعد أن كان حيًا كقولك وسع الخياط ثوبي، يحتمل أنه خاطه واسعًا ويحتمل أنه صيره واسعًا بعد أن كان ضيقًا، فلم لا يجوز في هذه الآية أن يكون المراد بالإماتة خلقها ميتة، ولا يكون المراد تصييرها ميتة بعد أن كانت حية.
السؤال الثاني: أن هذا كلام الكفار فلا يكون حجة.
السؤال الثالث: أن هذه الآية تدل على المنع من حصول الحياة في القبر، وبيانه أنه لو كان الأمر كذلك لكان قد حصلت الحياة ثلاث مرات أولها: في الدنيا، وثانيها: في القبر، وثالثها: في القيامة، والمذكور في الآية ليس إلا حياتين فقط، فتكون إحداهما الحياة في الدنيا والحياة الثانية في القيامة والموت الحاصل بينهما هو الموت المشاهد في الدنيا.
السؤال الرابع: أنه إن دلت هذه الآية على حصول الحياة في القبر فههنا ما يدل على عدمه وذلك بالمنقول والمعقول، أما المنقول فمن وجوه الأول: قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل ساجدا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُو رَّحْمَةِ رَبّهِ} [الزمر: 9] فلم يذكر في هذه الآية إلا الحذر عن الآخرة، ولو حصلت الحياة في القبر لكان الحذر عنها حاصلًا، ولو كان الأمر كذلك لذكره، ولما لم يذكره علمنا أنه غير حاصل الثاني: أنه تعالى حكى في سورة الصافات عن المؤمنين المحقين أنهم يقولون بعد دخولهم في الجنة {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} [الصافات: 58، 59] ولا شك أن كلام أهل الجنة حق وصدق ولو حصلت لهم حياة في القبر لكانوا قد ماتوا موتتين، وذلك على خلاف قوله: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} قالوا والاستدلال بهذه الآية أقوى من الاستدلال بالآية التي ذكرتموها، لأنه الآية التي تمسكنا بها حكاية قول المؤمنين الذين دخلوا الجنة والآية التي تمسكتم بها حكاية قول الكافرين الذين دخلوا النار.
وأما المعقول فمن وجوه الأول: وهو أن الذي افترسته السباع وأكلته لو أعيد حيًا لكان إما أن يعاد حيًا بمجموعة أو بأحاد أجزائه، والأول باطل لأن الحس يدل على أنه لم يحصل له مجموع، والثاني باطل لأنه لما أكلته السباع، فلو جعلت تلك الأجزاء أحياء لحصلت أحياء في معدة السباع وفي أمعائها، وذلك في غاية الاستبعاد.
الثاني: أن الذي مات لو تركناه ظاهرًا بحيث يراه كل واحد فإنهم يرونه باقيًا على موته، فلو جوزنا مع هذه الحالة أنه يقال إنه صار حيًا لكان هذا تشكيكًا في المحسوسات، وإنه دخول في السفسطة والجواب قوله لم لا يجوز أن تكون الموتة الأولى هي الموتة التي كانت حاصلة حال ما كان نطفة وعلقة؟ فنقول هذا لا يجوز، وبيانه أن المذكور في الآية أن الله أماتهم ولفظ الإماتة مشروط بسبق حصول الحياة إذ لو كان الموت حاصلًا قبل هذه الحالة امتنع كون هذا إماتة، وإلا لزم تحصيل الحاصل وهو محال وهذا بخلاف قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا} لأن المذكور في هذه الآية أنهم كانوا أمواتًا وليس فيها أن الله أماتهم بخلاف الآية التي نحن في تفسيرها، لأنها تدل على أن الله تعالى أماتهم مرتين، وقد بينا أن لفظ الإماتة لا يصدق إلا عند سبق الحياة فظهر الفرق.
أما قوله إن هذا كلام الكفار فلا يكون حجة، قلنا لما ذكروا ذلك لم يكذبهم الله تعالى إذ لو كانوا كاذبين لأظهر الله تكذيبهم، ألا ترى أنهم لما كذبوا في قولهم {والله رَبّنَا مَا كُنا مُشْرِكِينَ} كذبهم الله في ذلك فقال: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ} [الأنعام: 23، 24] وأما قوله ظاهر الآية يمنع من إثبات حياة في القبرة إذ لو حصلت هذه الحياة لكان عدد الحياة ثلاث مرات لا مرتين، فنقول الجواب عنه من وجوه: الأول: هو أن مقصودهم تعديل أوقات البلاء والمحنة وهي أربعة الموتة الأولى، والحياة في القبر، والموتة الثانية، والحياة في القيامة، فهذه الأربعة أوقات البلاء والمحنة، فأما الحياة في الدنيا فليست من أقسام أوقات البلاء والمحنة فلهذا السبب لم يذكروها الثاني: لعلهم ذكروا الحياتين: وهي الحياة في الدنيا، والحياة في القيامة، أما الحياة في القبر فأهملوا ذكرها لقلة وجودها وقصر مدتها الثالث: لعلهم لما صاروا أحياء في القبور لم يموتوا بل بقوا أحياء، إما في السعادة، وإما في الشقاوة، واتصل بها حياة القيامة فكانوا من جملة من أرادهم الله بالاستثناء في قوله: {فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله} [الزمر: 68] الرابع: لو لم تثبت الحياة في القبر لزم أن لا يحصل الموت إلا مرة واحدة فكان إثبات الموت مرتين كذبًا وهو على خلاف لفظ القرآن، أما لو أثبتنا الحياة في القبر لزمنا إثبات الحياة ثلاث مرات والمذكور في القرآن مرتين، أما المرة الثالثة فليس في اللفظ ما يدل على ثبوتها أو عدمها، فثبت أن نفي حياة القبر يقتضي ترك ما دل اللفظ عليه، فأما إثبات حياة القبر فإنه يقتضي إثبات شيء زائد على ما دل عليه اللفظ مع أن اللفظ لا إشعار فيه بثبوته ولا بعدمه فكان هذا أولى، وأما ما ذكروه في المعارضة الأولى فنقول قوله: {يَحْذَرُ الآخرة} [الزمر: 9] تدخل فيه الحياة الآخرة سواء كانت في القبر أو في القيامة، وأما المعارضة الثانية فجوابها أنا نرجح قولنا بالأحاديث الصحيحة الواردة في عذاب القبر.
وأما الوجهان العقليان فمدفوعان، لأنا إذا قلنا إن الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بل هو عبارة عن جسم نوراني سار في هذا البدن كانت الإشكالات التي ذكرتموها غير واردة في هذا الباب، والله أعلم.
المسألة الثانية:
اعلم أنا لما أثبتنا حياة القبر فيكون الحاصل في حق بعضهم أربعة أنواع من الحياة وثلاثة أنواع من الموت، والدليل عليه قوله تعالى في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموت فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أحياهم} [البقرة: 243] فهؤلاء أربعة مراتب في الحياة، حياتان في الدنيا، وحياة في القبر، وحياة رابعة في القيامة.
المسألة الثالثة:
قوله: {اثنتين} نعت لمصدر محذوف والتقدير إماتتين اثنتين، ثم حكى الله عنهم أنهم قالوا {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا} فإن قيل الفاء في قوله: {فاعترفنا} تقتضي أن تكون الإماتة مرتين والإحياء مرتين سببًا لهذا الاعتراف فبينوا هذه السببية، قلنا لأنهم كانوا منكرين للبعث فلما شاهدوا الإحياء بعد الإماتة مرتين لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث، فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبب عن ذلك الإحياء وتلك الإماتة، ثم قال: {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ} أي هل إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء من سبيل، أم اليأس وقع فلا خروج، ولا سبيل إليه؟ وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط، واعلم أن الجواب الصريح عنه أن يقال لا أو نعم وهو تعالى لم يفعل ذلك بل ذكر كلامًا يدل على أنه لا سبيل لهم إلى الخروج فقال: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ} أي ذلكم الذي أنتم فيه، وهو أن لا سبيل لكم إلى الخروج قط، إنما وقع بسبب كفركم بتوحيد الله تعالى، وإيمانكم بالإشراك به {فالحكم للَّهِ} حيث حكم عليكم بالعذاب السرمدي، وقوله: {العلى الكبير} دلالة على الكبرياء والعظمة، وعلى أن عقابه لا يكون إلا كذلك، والمشبهة استدلوا بقوله تعالى: {العلي} على العلو الأعلى في الجهة، وبقوله: {الكبير} على كبر الجثة والذات، وكل ذلك باطل، لأنا دللنا على أن الجسمية والمكان محالان في حق الله تعالى، فوجب أن يكون المراد من {العلى الكبير} العلو والكبرياء بحسب القدرة والإلهية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} قال الأخفش: {لمَقْتُ} هذه لام الابتداء وقعت بعد {يُنَادَوْنَ} لأن معناه يقال لهم والنداء قول.
وقال غيره: المعنى يقال لهم: {لَمَقْتُ اللَّهِ} إياكم في الدنيا {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ} {أَكْبَرُ} من مقت بعضكم بعضًا يوم القيامة؛ لأن بعضهم عادى بعضًا ومقته يوم القيامة، فأذعنوا عند ذلك، وخضعوا وطلبوا الخروج من النار.
وقال الكلبي: يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس؛ فتقول الملائكة لهم وهم في النار: لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم.
وقال الحسن: يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون {لَمَقْتُ اللَّهِ} إياكم في الدنيا {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ} {أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} اليوم.
وقال معناه مجاهد.
وقال قتادة: المعنى {لَمَقْتُ اللَّهِ} لكم {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} إذ عاينتم النار.
فإن قيل: كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم؟ ففيه وجهان: أحدهما أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت.
الثاني أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى، وعلموا أن نفوسهم هي التي أبقتهم في المعاصي مقتوها.
وقال محمد بن كعب القرظي: إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك: {إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77] على ما يأتي.
قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء! إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون، فهلّم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا، كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا {سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} [إبراهيم: 21] أي من ملجأ؛ فقال إبليس عند ذلك: {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} [إبراهيم: 22] إلى قوله: {مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] يقول: بمغن عنكم شيئًا {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} [إبراهيم: 22] فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم.
قال: فنودوا {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ} إلى قوله: {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} قال فردّ عليهم: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فالحكم للَّهِ العلي الكبير} ذكره ابن المبارك.
قوله تعالى: {قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين} اختلف أهل التأويل في معنى قولهم: {أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم، ثم أحياهم ثم أماتهم الموتة التي لابد منها في الدنيا، ثم أحياهم للبعث والقيامة، فهاتان حياتان وموتتان، وهو قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28].
وقال السدي: أميتوا في الدنيا ثم أحياهم في القبور للمسألة، ثم أميتوا ثم أحيوا في الآخرة.
وإنما صار إلى هذا؛ لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على النطفة.
واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر، ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة؟ والروح عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح لا تموت ولا تتغير ولا تفسد، وهو حيّ لنفسه لا يتطرّق إليه موت ولا غشية ولا فناء.
وقال ابن زيد في قوله: {رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين} الآية قال: خلقهم في ظهر آدم وأخرجهم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم.
وقد مضى هذا في البقرة.
{فاعترفنا بِذُنُوبِنَا} اعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم.
{فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} أي هل نردّ إلى الدنيا لنعمل بطاعتك؛ نظيره: {هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} [الشورى: 44] وقوله: {فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة: 12] وقوله: {ياليتنا نُرَدُّ} [الأنعام: 27] الآية.
قوله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} {ذَلِكُمْ} في موضع رفع أي الأمر {ذَلِكُمْ} أو {ذَلِكُم} العذاب الذي أنتم فيه بكفركم.
وفي الكلام متروك تقديره فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد.
وذلك لأنكم {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ} أي وُحِّد الله {وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله.
قال الثعلبي: وسمعت بعض العلماء يقول: {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ} بعد الرد إلى الدنيا لو كان {تُؤْمِنُواْ} تصدّقوا المشرك؛ نظيره: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْه}.
{فالحكم للَّهِ العلي الكبير} عن أن تكون له صاحبة أو ولد. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} شروع في بيان أحوال الكفال بعد دخول النار.
{يُنَادَوْنَ} وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها حتى أكلوا أناملهم من المقت كما أخرج ذلك عبد بن حميد عن الحسن.
وفي بعض الآثار أنهم يمقتون أنفسهم حين يقول لهم الشيطان: {فلاَتلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22] وقيل: يمقتونها حين يعلمون أنهم من أصحاب النار، والمنادي الخزنة أو المؤمنون يقولون لهم إعظامًا لحسرتهم: {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول كأنه قيل ينادون مقولًا لهم لمقت إلخ أو معمول لقول مقدر بفاء التفسير أي ينادون فيقال لهم: لمقت الخ، وجعله معمولًا للنداء على حذف الجار وإيصال الفعل بالجملة ليس بشيء، و{مقت} مصدر مضاف إلى الاسم الجليل إضافة المصدر لفاعله، وكذا إضافة المقت الثاني إلى ضمير الخطاب.
وفي الكلام تنازع أو حذف معمول الأول من غير تنازل أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، واللام للابتداء أو للقسم، والمقت أشد البغض؛ والخلف يؤولونه مسندًا إليه تعالى بأشد الإنكار.
{يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} أي إذ يدعوكم الأنبياء ونوابهم {إِلَى الإيمان} فتأبون قبوله {فَتَكْفُرُونَ} وهذا تعليل للحكم أو للمحكوم به فإذ متعلقة بأكبر وكان التعبير بالمضارع للإشارة إلى الاستمرار التجددي كأنه قيل: لمقت الله تعالى أنفسكم أكبر من مقتكم إياها لأنكم دعيتم مرة بعد مرة إلى الايمان فتكرر منكم الكفر، وزمان المقتين واحد على ما هو المتبادر وهو زمان مقتهم أنفسهم الذي حكيناه آنفًا.